الرابعة :أولاد فاطمة الزهراء بنو الحسن والحسين - رضي الله عنهم- لا يكافئهم غيرهم من بني هاشم ، والدليل
عليه كما في التحفة والنهاية وغيرهما خبر ما أخرجه مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال :
(( أن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى
من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم )). وقد أخرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في فضائل
العباس من حديث واثلة بلفظ (( أن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلا واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ثم
اصطفى من ولد إسماعيل نزار ثم اصطفى من ولد نزار مضر ثم اصطفى من مضر كنانة ثم اصطفى من كنانة قريشا ثم
اصطفى من قريش بني هاشم ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب ثم اصطفاني من بني عبد المطلب )) أورده المحب
الطبري في ذخائر العقبىوالأحاديث الواردة في فضل العرب وفي فضل قريش وفي فضل بني هاشم كثيرة جدا . وقال
ابن حجر في التحفة والرملي في النهاية : أولاد فاطمة لا يكافئهم غيرهم من بقية بني هاشم ؛ لأن من خصائصه صلى
الله عليه وآله وسلم أن أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها كالوقف والوصية كما صرحوا به ( انتهى )، لأم
أبناؤه كما ثبت في قصة المباهلة في قوله تعالى :{ ندع َأبناءَنا وَأبناءَ ُ كم } ( آل عمران : ٦١ ) فإنه ورد أنه خرج ومعه
الحسن والحسين وعلي وفاطمة ، وروى الحاكم قال صلى الله عليه وسلم : ( لكل بني أم عصبة إلا أبناء فاطمة فأنا
وليهم وعصبتهم ) وأخرج الترمذي عن أسامة أنه صلى الله عليه وآله وسلم أجلس الحسن والحسين يوما على فخذيه
وقال : ( هذان إبناي و إبنا بنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما ) وأخرج الطبراني وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال :
( كل بني ُأم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم ) ( انتهى ) .
{ فإن قال قائلٌ بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد زوج ابنتيه من سيدنا عثمان رضي الله عنه نقول : إنه رسول الله وأنه يوحى إليه ، وقد شاءت قدرة المولى عز وجل أن تنقطع ذريته - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم تنحصر وتبقى إلا في
أبناء بضعته، سيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة الزهراء- على أبيها وعليها وعلى بعلها وعلى ابنيهم وذريتهما السلام
- ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم
(كل بني ُأم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم )) }.
]فقول الشارع نص ، ويترتب عليه أحكام البنوة كالحسن والحسين وأولادهما ، والتشريف ببعض خصائصه صلى الله
عليه وآله وسلم فوجوب الصلاة عليهم ودخولهم في آية التطهير وتحريم الزكاة والصدقة عليهم وفرض محبتهم على
الأمة وغير ذلك ، ثم اعلم أن الشرف قسمان : ذاتي ، وصفاتي ، وقد اصطلح العلماء على أن الشرف الذاتي للنبي
صلى الله عليه وسلم ، ومنه بالنسبة لذريته فكما كانت ذات النبوة مختارة الله من الوجود فجعلها الله معدنا لكل نعت
محمود ، ولم يزل يسري منها في شعِبها مظهرها في المعدن ، ومع ذلك فقد بلّغ الجليل الكبير في كمال التطهير لها كما
قال : { وي َ طه ر ُ ك م ت ْ ط ِ هيرًا } ( الأحزاب : ٣٣ ) لا بعم ٍ ل عملوه ، ولا بصا ٍ لح قدموه ، بل بسابق عناية من الله لهم فتأثير
الب ضعة ( الذرية ) النبوية لا يدركه أكابر الأولياء من غيرهم ، ولو جاهدوا أبد الآبدين، ولهذا قال الله عز وجل:{ُقل لاَّ
َأ سَأُل ُ ك م عَليه َأ جرًا ِإلاَّ اَلم ودَة في الُق ربى}(الشورى: ٢٣ ) إذا عرفت ذلك واتضح لك أن مقام ذات النبوة وقدرها لا
يدرك ، وعرفت أن الكفاءة عند العرب بل وغيرهم أمر مرعي وقد جاء الشرع في ذلك على موافقة عادام وعرفت
أن تزويج الأدنى بمن ليس كفئًا لها مل ح ق عا را على عصبتها كما صرح به الفقهاء ، ويصل ذلك العار عند تزويج
الشرائف بغير الأشراف إلى مقامه صلى الله عليه وآله وسلم فحقِّق لديك أن الجراءة على ذلك إيذاء للنبي صلى الله
عليه وسلم ولذريته ، وأي إيذاء أعظم من إلحاق العار فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من آذى أهل بيتي فقد
آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ) وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تؤذوني في أهل بيتي ) ... الخ ، وقال صلى الله
عليه وآله وسلم: ( احفظوني في أهل بيتي ) ، ومن استحل ذلك فقد آذاهم ومن آذاهم فقد آذى رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم ) ومن آذى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد آذى الله بنص الحديث السابق ، فإيذاؤهم
بذلك يكون من أكبر الكبائر ، فلا يجوز تزويج غير السيد بالسيدة ، ولو ر ضيت وأسَق َ طت الكفاءة أو رضي وليها ؛
لأن الحق ليس لهما ؛ لأنه شرف ذاتي ليس من كسبهما حتى يسقطاه بل له- صلى الله عليه وآله وسلم - ولكافة أبناء
الحسنين ، ولو يتصور رضاهم ، وقد ثبت أم م وا ٍ ل على ما سواهم من كافة الخلق بنص حديثه صلى الله عليه وآله
وسلم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ، وهل يجوز تزويج العبد مولاته ، لا قائل به ، بل قد منع خليفة الزمان
السلطان عبد الحميد أيده الله تبعا لسلفه تزويج السيدات بغير السادة ، وأمر الخليفة يجب العمل به في المباحات فض ً لا
عن الموافق للحكم الشرعي . وأما ما نسب إلى الإمام مالك عالم دار الهجرة - رضي الله عنه - أن المسلمين أكفاء فلا
يستبعد أنه مقولٌ عليه ؛ لأنه ثبت عنه أنه إمتنع من لبس النعال في المدينة ؛ فقال : (( أستحي أن أطأ بنعلي أر ضا وطئها
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمه )) .فمن إستعظم ، وأستشرف أر ضا وطئها رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم - بقدمه ، هل يبيح ويستحل إفتراش ووطء بضعته صلى الله عليه وآله وسلم ؟
يجل قدره عن ما نسب إليه - رضي الله عنه - وفي هذا القدر كفاية لمن من الله عليه بالهداية ، ومن قال بخلاف ما ذكر
؛ فإما عدم إطلاع ، وإما جهل بقدره - صلى الله عليه وآله وسلم - وقدر أهل بيته، بل من تجرأ وأرتكب ذلك بعد
إطلاعه على ما ذكر ، فهو ضعيف إيمان ، بل مسلوبه ، لمراغمته ، ومعاندته للشرع ويخشى عليه من سوء العاقبة
و{ من ي ضل ِ ل اللَّه َف َ لا ها د ي َله } (الأعراف : ١٨٦ ) حفظنا الله وإياكم من ارتكاب الموبقات ، وعصمنا من إقتراف
الخطيئات ، وعرفنا قدر نبيه وأهل بيته السادات إنه ولي التوفيق .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
قال به وكتبه أضعف الناس والفقير إلى الله السيد عمر بن سالم العطاس رضي الله عنه آمين .
وذلك في شهر محرم سنة ١٣٢٣ ه .